الزمن «الكوروني» إبداعيا في المغرب

الزمن «الكوروني» إبداعيا في المغرب

الزمن «الكوروني» إبداعيا، في المغرب، زمن المواجع والفواجع. انكفأ المثقف على نفسه اضطراريا، ما بين الحذر من انتقال العدوى إليه، وصرامة السلطة التي تقيّد حركة الجميع، وتلزمهم بضوابط متشددة في التنقل.
سقط الشعار النظري، الذي كان يردد أن النخبة المثقفة هي التي تقود وترسم المسارات وتبني تصورها للعالم، فصارت هي المنقادة رغم أنفها؛ خاضعة لبلاغات الحكومة الصادرة ليلا في عطلة نهاية الأسبوع، ولشؤم الأرقام اليومية المتعلقة بعدد الإصابات والوفيات التي تمطر بها التلفزيونات والإذاعات وباقي القنوات كل الناس في كل الأمكنة، وتساهم في إشاعة ثقافة الفزع والرعب. لكأنّ شبح الموت ينتشر في كل مكان. قالوا إن الخلاص في المكوث في البيت، وعند الخروج للضرورة، يجب وضع قناع واق من القماش على الوجه، إنه صمام أمان، لكنه يجعل الوجوه متناسخة، لا تكاد تعرف بعضها بعضا.
عليك أن تنأى بنفسك عن جارك، عن أهلك، عمّن يمرّ بمحاذاتك أو يجالسك أو يجلس بجانبك في المواصلات العامة؛ عليك أن تصير مسكونًا بتطهير يديك بالمعقّم في كل لحظة، فالفيروس هذا الكائن غير المرئي بالعين المجردة، قد يكون أقرب إليك من حيث لا تحتسب. أمسى الآخر هو «الجحيم»، بتعبير جان بول سارتر. ألست جزءًا من هذا «الآخر» حين تتغير زاوية النظر؟
دبّت البرودة في العلاقات الإنسانية، وانتصبت أسوار شاهقة بين البشر، وقيل إن الحل هو الهروب نحو الفضاء الافتراضي، حتى الثقافة والفن صارا افتراضيين، وغاب عنهما الدفء الإنساني. لم يقتصر الأمر، إذنْ، على محاولة «تشييء» الثقافة والفن، بل تجاوز الأمر إلى جعلهما مادتين سابحتين في شاشات الحواسيب والحوامل الإلكترونية والهواتف المحمولة. تكرّس الجنوح نحو الفردانية، على الرغم من ادّعاء التواصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي الافتراضية، وكيف يتحقق الاحتفال الإبداعي إذا غاب اللقاء المباشر وانتفت تلك الحميمية؟

إن انتقال النشاط الثقافي إلى الفضاء الافتراضي، هو انتقال من حالة الارتواء بالماء إلى التمسك بالسراب، خاصة بالنظر إلى انتصاب تلك الأسوار الشاهقة التي ألمحنا إليها بين المبدع والمتلقي. لقد صدر القرار بتجميد الحياة الثقافية والفنية، وأغلقت المسارح ودور السينما وأروقة الفنون التشكيلية، وألغيت المهرجانات، وحتى حين رفع الحجر جزئيا عن النشاط التجاري والاقتصادي، وأعيد فتح المطاعم والمقاهي والمنشآت الصناعية وغيرها، ظل الإغلاق مقتصرا على الفضاءات الثقافية، كما لو أن خطر الوباء مقبل منها، والحال أن النشاطات الثقافية في المغرب نشاطات نخبوية، تقتصر على جمهور محدود جدا، يفترض فيه أنه يمتلك من الوعي والحس الحضاري ما يجعله ملتزما بالقيود الاحترازية، لاسيما التباعد الجسدي وتفادي الازدحام والاحتكاك. حينما تواصل السلطة الحكومية إغلاق المسارح وقاعات السينما والأروقة التشكيلية، فإنها تصادر العناصر الأساسية التي تزرع الفرح والأمل في نفوس الناس، وتبعد عنهم الكآبة واليأس والسوداوية.
بغياب الثقافة والفن يظهر فراغ هائل ومهول، والطبيعة تأبى الفراغ، كما يقال، فقد تستغل الكائنات الظلامية حالة الفراغ هذه لتتسيّد الساحة، وتحاول استمالة النفوس الضعيفة أو اليائسة. بعبارة أخرى، الثقافة والفن ماء الحياة، فالماء ينبغي أن يبقى دائم الجريان حتى يحتفظ ببهائه وحيويته ونضارته. توقّفُ الماء في مكان مخصوص لمدة طويلة يحوّله إلى بِركة آسنة، وفي البرك تنشأ الحشرات الضارة!

ذات صلة